الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

هل يجوز للزوجة التراجع عن قبولها شرط السكن مع أم الزوج؟

342519

تاريخ النشر : 01-03-2021

المشاهدات : 9357

السؤال

اعتنقت الإسلام قبل عام، وبعد ذلك بعدّة أشهر تزوجت، في ذلك الوقت لم أكن أعرف شيئًا عن الزواج وحقوقي كزوجة، وقبل أن نتزوج قال لي زوجي : إنه لن يتزوجني ما لم أوافق على العيش مع والدته، لم أكن أعلم أن لديّ الحق في سكن مستقل، فوافقت على طلبه؛ لأنني لم أكن أريده أن يذهب، علاوة على ذلك وضعنا شرطا في الزواج أنّه لن يتزوج زوجات أخريات، الآن بعد أن علمت أن لديّ الحق في سكن مستقل، وأنه من واجب الزوج إعطاء الزوجة سكنا مستقّلا، فهل يمكنني استعادة هذا الحق حتى يضطر زوجي إلى إعطائي سكنًا منفصلاً، على الرغم من أنّني لم أطالب بذلك في البداية؟ وقال زوجي إنني إذا استرجعت حقّي في السكن فسوف ينقض الشرط في زواجنا، وقد يتزوّج زوجة أخرى، فإذا نقض الشرط وأخذ زوجة أخرى فهل يأثم؟

ملخص الجواب

إذا تضررت الزوجة بالسكن مع أم الزوج، وأرادت سكنا مستقلا، وقدر عليه، لزمه ذلك، وليس له أن يسقط ما شرطت عليه من عدم الزواج عليها، فإن فعل فلها حق الفسخ. وأما إذا لم تتضرر، فلا يلزمه إجابة طلبها، وله أن يعلق إجابة طلبها على تنازلها عن شرطها في عدم الزواج عليها. وينظر تفصيل ذلك في الجواب المطول

الحمد لله.

أولا:

حق الزوجة في سكن مستقل

السكن المستقل حق للزوجة، فليس له أن يُسكن معها والدته أو غيرها إلا برضاها، ما لم يكن اشترط عليها ذلك عند العقد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:  الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ  رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "الإرواء" (1303).

وروى البخاري (2721)، ومسلم (1418) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:  أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ: مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج  .

ولا عبرة بكون الزوجة لم تكن تعلم أن السكن المستقل حق لها.

لكن إن تضررت بالسكن مع أم الزوج ضررا بينا، فلها المطالبة بسكن مستقل لرفع الضرر، وعليه أن يستجيب لذلك إذا أمكنه توفير سكن آخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:  لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ  أخرجه أحمد (2865)، وابن ماجه (2341)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

وإذا لم يوجد ضرر، أو كان لا يمكنه توفير سكن، فلا يلزمه إجابة طلبها.

ثانيا:

حكم اشتراط المرأة ألا يتزوج عليها زوجها

إذا اشترطت الزوجة على زوجها عند العقد ألا يتزوج عليها، فهذا شرط صحيح عند جماعة من الفقهاء، وهو مذهب الحنابلة، فيلزم الزوج الوفاء به، فإن تزوج عليها كان لها حق الفسخ.

قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها: فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، روي هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم". انتهى باختصار من "المغني" (9/483).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها فإن هذا يجوز. وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ لأنه حجر على الزوج فيما أباح الله له، فهو مخالف للقرآن: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3.

فيقال في الجواب على ذلك: هي لها غرض في عدم زواجه، ولم تعتد على أحد، والزوج هو الذي أسقط حقه، فإذا كان له الحق في أن يتزوج أكثر من واحدة، أسقطه، فما المانع من صحة هذا الشرط؟! ولهذا؛ فالصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن ذلك الشرط صحيح." انتهى من "الشرح الممتع" (5/243).

ثالثا:

هل للزوج أن يسقط ما شرطت عليه الزوجة من عدم الزواج عليها إذا طلبت سكنا مستقلا؟

إذا تضررت الزوجة بالسكن مع أم الزوج، وأرادت سكنا مستقلا، وقدر عليه، لزمه ذلك كما تقدم، وليس له أن يسقط ما شرطت عليه من عدم الزواج عليها، فإن فعل فلها حق الفسخ.

وأما إذا لم تتضرر، فلا يلزمه إجابة طلبها، وله أن يعلق إجابة طلبها على تنازلها عن شرطها في عدم الزواج عليها.

ويستدل لهذا بقوله تعالى:  وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً  النساء/ 128.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ:  فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ  فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ" رواه الترمذي (3040) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها في قوله: "  وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا  قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِى وَلاَ تُطَلِّقْنِى، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِى، فَأَنْتَ فِى حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ، وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:  فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ "  رواه البخاري (4910)،ومسلم (3021).

قال ابن القيم رحمه الله:

" الرجل إذا قضى وطرا من امرأته، وكرهتها نفسه، أو عجز عن حقوقها، فله أن يطلقها، وله أن يخيرها: إن شاءت أقامت عنده، ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة، أو في بعض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه؛ فإذا رضيت بذلك، لزم، وليس لها المطالبة به بعد الرضى" انتهى من "زاد المعاد" (5/ 139).

رابعا:

هل يأثم الزوج بعدم الوفاء بشروط الزواج؟

سبق البيان: أن الزوج إذا لم يفِ بالشرط كان للزوجة حق الفسخ، لكن هل يأثم الزوج بعدم الوفاء؟

في ذلك خلاف، والجمهور على استحباب الوفاء وعدم وجوبه، فإن أخل الزوج بالشرط فلها الفسخ.

وذهب شيخ الإسلام ابن تييمة رحمه الله وجماعة من العلماء إلى وجوب الوفاء، فيأثم إذا لم يف لها بما شرط.

قال المرداوي في "الإنصاف" (8/ 157): "حيث قلنا بصحة شرط سكنى الدار أو البلد، ونحو ذلك: لم يجب الوفاء به على الزوج. صرح به الأصحاب. لكن يستحب الوفاء به. وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله. ومال الشيخ تقي الدين رحمه الله إلى وجوب الوفاء بهذه الشروط، ويجبره الحاكم على ذلك" انتهى.

وقرر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وجوب الوفاء بالشروط الصحيحة في العقود. وينظر: "الشرح الممتع" (12/ 163).

وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: "وإن شاءت صبرت على ظلم الزَّوج؛ لعدم وفائه بشرطها، ويأثم الزَّوجُ بعدم وفائه بالشَّرط الذي قد قبله عند العقد، مما يضطرّ الزَّوجة التي اشترطت ذلك لنفسها إلى أحدِ أمرين: إمَّا إلى فسخ النّكاح، أو الصَّبر على ضرر الضرَّة!!

كيف وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (أحقُّ الشّروطِ أنْ توفُّوا بهِ ما استحللتم بهِ الفروج)، وهذا الرَّجل لم يستحلَّ فرجَ زوجته إلا بشرط ألا يتزوَّج عليها، وهي لم تُكْرِهْهُ على قبوله، وهو لم يقبله إلا رغبة فيها، فعليه أن يفي، كما أوصى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم" انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت

والنصيحة لك أن تحسني إلى أم زوجك، وأن تحاولي تقبل العيش معها، إلا إن تضررتِ بذلك ضررا بينا، وكان يمكن لزوجك توفير سكن مستقل.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب