الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

صحة حديث "أتاكم رمضان شهر يغشاكم الله فيه..."

273606

تاريخ النشر : 19-08-2017

المشاهدات : 805161

السؤال

وصلتني هذه الرسالة ، فما صحة الحديث الوارد بها؟ هذه تهنئة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بقدوم رمضان، وأنا أهنئكم بها، (أتاكم رمضان شهر يغشاكم الله فيه، فينزل فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله). بلغنا الله وإياكم صيام هذا الشهر المبارك وقيامه، الْلَّھُم أَهِلَهُ عَليْنَا بِالْأمْنِ وَالإِيْمَانِ، وَالْسَّلامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالْعَوْنٓ عَلَى الْصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآَنِ، الْلَّھُمّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لنا، وَتَسَلَّمْهُ مِنّا مُتَقَبَّلاً، يٓارٓبٓ العٓالِٓمينْ، مُبارٓكٌ علٓيْكُمْ شّٓهرُ رٓمٓضٓان.

ملخص الجواب

حديث (أتاكم رمضان شهر بركة، فيه خير يغشاكم الله فينزل الرحمة ويحط فيها الخطايا، ويستحب فيها الدعوة، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهيكم بملائكة، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي كل الشقي من حرم فيه رحمة الله) مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم.

الحمد لله.

درجة حديث "أتاكم رمضان شهر يغشاكم الله فيه..."

هذا الحديث المذكور: مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم. 

أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2238)، والشاشي في "مسنده" (1224)، والحسن الخلال في "أماليه" (66)، والبيهقي في "القضاء والقدر" (60)، من طريق مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا، وَحَضَرَ رَمَضَانُ:

أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، فِيهِ خَيْرٌ يَغْشَاكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهَا الْخَطَايَا، وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الدَّعْوَةُ، يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِيكُمْ بِمَلَائِكَةٍ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسَكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ.

والحديث علته محمد بن قيس، فإنه كذاب، واسمه محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي الشهير بالمصلوب.

والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4783) وقال: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ ; وَلَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ". اهـ.

قال الحافظ برهان الدين الناجي في "عجالة الإملاء" (2/822): "وشيخنا الحافظ ابن حجر أفاد بخطه على حاشية نسخته بمجمع الهيثمي: أن محمداً المذكور هو المصلوب، وهو محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي الشامي، روى له الترمذي وابن ماجة. كذا نسبه في تهذيب الكمال وتهذيبه وتقريبه.

وقد قيل: إنهم قلبوا اسمه على مائة وجه، ليخفى. فقال شيخنا: قلت: "محمد بن أبي قيس هذا: هو محمد بن سعيد المصلوب، وهو متروك متهم بالكذب." أ.هـ.

وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (892): "موضوع".

وأجود من هذا الحديث الموضوع، في هذا الباب: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي أخرجه النسائي في "سننه" (2106)، وأحمد في "مسنده" (7148)، وعبد بن حميد في "مسنده" (1429)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8867)، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ:

أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ.

والحديث في إسناده انقطاع، بين أبي قلابة الجرمي، وأبي هريرة رضي الله عنه، فروايته عنه مرسلة، كما ذكره العلائي وغيره.

لكن: حسنه الجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" (473)، وقال الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (999):" صحيح لغيره ". وينظر: حاشية "المسند"، ط الرسالة (12/59).

هل تجوز التهنئة بدخول رمضان؟ 

والحديث يعد أصلا في جواز تهنئة الناس بعضهم بعضا برمضان، قال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (147):" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما خرجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم.

قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان ." أ.هـ،

وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/1365) في شرحه لهذا الحديث:" وَهُوَ أَصْلٌ فِي التَّهْنِئَةِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي أَوَّلِ الشُّهُورِ بِالْمُبَارَكَةِ." أ.هـ.

وفي "حاشية اللبدي" (1/99): "وأما التهنئة بالعيدين والأعوام والأشهر، كما يعتاده الناس، فلم أر فيه لأحد من أصحابنا نصًّا. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان. قال بعض أهل العلم: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان. قلت: وعلى قياسه تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا بمواسم الخيرات وأوقات وظائف الطاعات." أ.هـ

والتهنئة بالنعم الدينية، والدنيوية أيضا: أمر مشروع، لا حرج فيه. وفي حديث توبة كعب بن مالك رضي الله عنه وفيه:" فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ" أخرجه البخاري (4418)، ومسلم (2769).

قال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (3/56): "قَالَ الْقَمُولِيُّ: لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيَّ: أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ: مُبَاحٌ، لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ.

وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا، فَقَالَ: بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْعِيدِ: (تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ)، وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ، لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ بمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ، أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ: بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ، وَالتَّعْزِيَةِ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ، لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ: أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَهَنَّأَهُ. أَيْ: وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." أ.هـ.

وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/512) تعليقا على حديث توبة كعب: "وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَهْنِئَةِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ، وَالْقِيَامِ إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ، وَمُصَافَحَتِهِ، فَهَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ." أ.هـ

والله أعلم. 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب