تتلخص الاعتراضات التي وجهها صاحبك إلى "تحريم الغناء" في ثلاث اعتراضات : 
 1- اعتراضه على الاستدلال بالآية بأن هذا هو من تفسير المفسرين . 
 2- توقفه في صحة الحديث الدال على تحريم آلات المعازف . 
 3- أنه لا يرى للغناء أضرارا ، فلماذا يحرمه الإسلام ؟ 
 أما اعتراضه على الاستدلال بالآية ، وهي قوله تعالى : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ  يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ  وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)  لقمان/6 .
 فالجواب عليه : 
 من هم المفسرون الذين استدلوا بالآية على تحريم الغناء ؟
 إنهم جمهور المفسرين ، وعلى رأسهم ثلاثة من علماء الصحابة وفقهائهم ومفسريهم ، وهم  : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم .
 ولا شك أن الصحابة "أعلم الأمة بمراد الله من كتابه ، فعليهم نزل ، وهم أول من خوطب  به من الأمة ، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا ، وهم  العرب الفصحاء على الحقيقة ، لا يعدل عن تفسيرهم ما وُجد إليه سبيل" ابن القيم في  "إغاثة اللهفان" (1/433) .
 فكيف يجوز لصحابك أن يعدل عن تفسير هؤلاء الصحابة للقرآن ؟ 
 لا سيما وفيهم عبد الله بن عباس أعلم الأمة بالتفسير ، ببركة دعاء النبي صلى الله  عليه وسلم له : (اللهم علمه التأويل) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه  الألباني في السلسلة الصحيحة (2589) .
 وأما اعتراض صاحبك على الاستدلال بالحديث ، فهو ليس اعتراضا في الحقيقة ، وإنما هو  توقف في صحته إلى أن يبحث عن ذلك . 
 والمتوقف في صحة الحديث ليس له أن ينفي ما دل الحديث على إثباته ، وهو تحريم آلات  المعازف . 
 فكان عليه ألا ينفي تحريم الغناء المقترن بالمعازف حتى يبحث في الحديث وينتهي إلى  أنه ضعيف لا يصح ، أما التوقف في صحة الحديث حتى البحث عنه ، ثم نفي حرمة الغناء ،  فتصرف غير صحيح . 
 والحديث الوارد في تحريم آلات المعازف في صحيح البخاري حديث صحيح بلا شك ، وليس هو  الحديث الوحيد الوارد في ذلك ، بل هناك أحاديث أخرى كثيرة ، ذكرها ابن القيم رحمه  الله في كتابه "إغاثة اللهفان" .
 وإذا صح الحديث فالواجب على المؤمن أن يقبله ويعمل بما فيه ، ولا يجوز له التوقف في  قبول الحديث حتى يعرضه على عقله ويقبله ، فقول صاحبك : "ولماذا تريد مني ( تجميد  دماغي ) ، والتسليم بالنصوص ؟" كلام خطير ، لا يصدر من مؤمن يشهد أن محمدا رسول  الله ، فما معنى إثبات الرسالة إذا كان سيتوقف في قبول قول الرسول صلى الله عليه  وسلم حتى يعرضه على عقله ؟
 قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ  وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ  يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )  الأحزاب/ 36  ، وقال عز وجل : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا  شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ  وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء/ 65 .
 وتحريم المعازف ليس فيه خلاف بين أئمة الإسلام ، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على  تحريمه، وما يُنقل فيه من خلاف فهو من الخلاف الشاذ ، الذي لا يلتفت له .
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : 
 مذهب الأئمة الأربعة : أن آلات اللهو كلها حرام ... ، ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة  في آلات اللهو نزاعاً .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 576 ، 577 ) .
 وقال ابن القيم رحمه الله :
 ولا ينبغى لمن شمَّ رائحة العلم أن يتوقف فى تحريم ذلك – أي : الغناء ، والمعازف -  فأقل ما يقال : إنَّها شعار الفساق ، وشاربي الخمور .
" إغاثة اللهفان " ( 1 / 228 ) .
 وقال الألباني رحمه الله : 
 ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها .
" السلسلة الصحيحة " ( 1 / 145 ) .
وقد ذكرنا أدلة ذلك من الكتاب  والسنة وأقوال الصحابة في جواب السؤال رقم (5000)  و (50687) .
 فليس للمسلم بعد أن يعلم الحكم الشرعي المبني على الأدلة الشرعية الصحيحة إلا أن  يقول : " سمعنا وأطعنا " ، وليس له أن يجادل بالباطل ، ولا يتردد في الاستجابة حتى  يعرض الأمر على عقله القاصر ، فيرى إن كان يقبله أم لا .
 وأما اعتراض صحابك بأن الغناء ليس له أضرار ، فهو اعتراض غريب ، لا قيمة له ، بعد  مخالفته للواقع والحس ، فضلا عن مخالفته للشرع . 
 فهذه الأغاني تصد عن ذكر الله ، وتنبت النفاق في القلب ، وتبعث على الفاحشة  والرذيلة .
 ونحن نذكر لك بعض ما قاله أئمة العلم والهدى في أضرار الغناء والمعازف ، فمن ذلك :
 1. أنه ينبت النفاق في القلب .
 وقد صحَّ هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وغيره ، وهذا أعظم ضرر يصيب من تعدَّى  على شرع الله تعالى ، وقد بيَّن ابن القيم رحمه الله وجه كونه الغناء منبتاً للنفاق  في القلب ، في كلام طويل نفيس . 
 قال رحمه الله :
 "فإن قيل : فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي ؟ . 
 قيل : هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب ، وأعمالها ، ومعرفتهم  بأدويتها ، وأدوائها ، وأنهم هم أطباء القلوب ، دون المنحرفين عن طريقتهم ...
 فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ونباته فيه كنبات الزرع  بالماء ، فمن خواصه : 
 أنه يلهي القلب ، ويصده عن فهم القرآن ، وتدبره ، والعمل بما فيه ؛ فإن القرآن  والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً ؛ لما بينهما من التضاد ؛ فإن القرآن ينهى عن  اتباع الهوى ، ويأمر بالعفة ، ومجانبة شهوات النفوس ، وأسباب الغي ، وينهى عن اتباع  خطوات الشيطان ، والغناء : يأمر بضد ذلك كله ، ويحسنه ، ويهيج النفوس إلى شهوات  الغي ، فيثير كامنها ، ويحركها إلى كل قبيح ...
 وإدمانه يثقل القرآن على القلب ، ويُكَرِّه إليه سماعه ، وإن لم يكن هذا نفاقاً :  فما للنفاق حقيقة. 
 وسر المسألة : أنه قرآن الشيطان فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبداً. 
 وأيضاً : فمن علامات النفاق : قلة ذكر الله ، والكسل عند القيام إلى الصلاة ، ونقر  الصلاة ، وقلَّ أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه ,.
 وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدِّب ولده : ليكُن أول ما يعتقدون من أدبك : بغض  الملاهي ، التي بِدؤها من الشيطان ، وعاقبتها سخط الرحمن ؛ فإنه بلغني عن الثقات من  أهل العلم : أن صوت المعازف ، واستماع الأغاني ، واللهج بها : ينبت النفاق في القلب  ، كما ينبت العشب على الماء . 
 فالغناء يفسد القلب ، وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق . 
 وبالجملة : فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء ، وحال أهل الذكر والقرآن : تبين له  حذق الصحابة ، ومعرفتهم بأدواء القلوب ، وأدويتها ، وبالله التوفيق" انتهى باختصار  .
" إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " ( 1 /  248 – 251 ) .
2. الغناء بريد الزنى ، أو رقية  الزنى ، أو داعية الزنى .
 وهذا – أيضاً – من أعظم أضرار الأغاني ، والمعازف ، وقد بيَّن ابن القيم رحمه الله  ذلك ، فقال :
 "وأما تسميته رقية الزنى : فهو اسم موافق لمسمَّاه ، ولفظ مطابق لمعناه ، فليس في  رقى الزنى أنجع منه ، وهذه التسمية معروفة عن الفضيل بن عياض .
 قال يزيد بن الوليد : يا بني أمية ! إياكم والغناء ؛ فإنه يُنقص الحياء ، ويزيد في  الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السُّكر ، فإن كنتم  لا بد فاعلين : فجنبوه النساء ؛ فإن الغناء داعية الزنى . 
 وقال محمد بن الفضل الأزدي : نزل " الحطيئة الشاعر" برجل من العرب ، ومعه ابنته "  مليكة " ، فلما جنَّه الليل : سمع غناءً ، فقال لصاحب المنزل : " كفَّ هذا عنِّي "  ، فقال : وما تكره من ذلك ؟ فقال : " إن الغناء رائد من رادة الفجور ، ولا أحب أن  تسمعه هذه ، يعني : ابنته ، فإن كففته : وإلا خرجت عنك " .
 فإذا كان هذا الشاعر المفتون اللسان ، الذي هابت العرب هجاءه : خاف عاقبة الغناء ،  وأن تصل رقيته إلى حرمته ، فما الظن بغيره ؟! .
 فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية : الدف ، والشبابة ، والرقص بالتخنث والتكسر : فلو  حبلت المرأة من غناء : لحبلت من هذا الغناء !  " انتهى باختصار وتصرف من " إغاثة اللهفان " ( 1 /  245 – 247 ) 
والغناء الذي تكلموا عن آثاره هو  الموجود في زمانهم ، وليس الموجود في زماننا ! فإن ما في زماننا قد اشتكى منه أهل  الفسق والفجور ! من المغنين ، والملحنين ، حيث قاموا بمحاربة " أغنيات الفيديو كليب  " وهي الأغاني الرائجة في هذا الزمان ، وفيها من الفحش ، والقذارة ، والعري ، ونزع  الحياء : ما جعل بعض أهل الغناء يطالب بمنع عرضها على شاشات التلفاز لما تسببه من  تهييج الشهوات ، ونشر الفساد! 
 وأخيرا .. فالأمر أوضح من الشمس في رابعة النهار ، من حيث حكم الغناء ، وآثاره  السيئة ، وأضراره العظيمة .
 والله أعلم
  
يجادل في حرمة الغناء ، ويزعم أن الأغاني ليس لها أضرار!
السؤال: 122790
لي أخ في الإسلام متبع لما قاله البعض من جواز الموسيقى ، وعندما طرحت عليه الدليل من القرآن ، والسنَّة قال : " فأما الآية فهي لم تأتِ بتحريم الموسيقى حرفيّاً بل هو تفسير المفسرين ، وأما الحديث : فلا أدري عن صحته ، وسأبحث في ذلك " ، وقد أتى لي بشبهة غريبة قال فيها : " ما أعرفه أن الإسلام دين العقل ، والمنطق ، وهو لم يحرم شيئًا إلا وله أضرار على الشخص ، فما ضرر الموسيقى ؟ ولماذا تريد مني ( تجميد دماغي ) ، والتسليم بالنصوص ؟ " علمًا أنني قدمت له محاضرة " فتنة تقديم العقل على النقل " - لفضيلتكم - ، ولم ينتفع بها حتى بعد سماعها كاملة ، فما الرد على مثل أخي هذا بارك الله فيكم ؟ .
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟